المنتجات الصديقة للمناخ التي تبني المستقبل
إن الخشب مادة متعددة الاستخدامات وهو مادة البناء المتجددة الوحيدة. كما أنها واحدة من أقوى المواد فيما يتعلق بوزنها وبالتالي فهي مناسبة تمامًا للبناء. وعادة ما تتسم الهياكل الخشبية بكونها تضم مزيجًا من الخصائص التي تقوم معًا بتوفير أفضل قدرة ممكنة على التحمل، والعزل الحراري والصوتي وعزل الرطوبة، ومقاومة الحرائق، والعمر الافتراضي الطويل.
ومن شأن زيادة استخدام الأخشاب في البناء أن يقلل استخدام مواد البناء التي هي من مواد خام غير متجددة. تولد المنتجات القائمة على الخشب وتصنيعها كمية أقل من غازات الاحتباس الحراري مقارنة بالمواد البديلة لتحقيق نفس الوظيفة.
وتسمى خطة الاتحاد الأوروبي طويلة الأجل لاقتصاد تنافسي، وفي الوقت نفسه تصبح محايدة مناخيًا بحلول عام 2050، Roadmap 2050 (خارطة الطريق 2050)، وتمثل رؤية استراتيجية طويلة الأجل للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. وتُجمل رؤية المفوضية الأوروبية سبعة لبنات استراتيجية رئيسية، من أهم عناصرها "الاستفادة الكاملة من فوائد الاقتصاد الحيوي وإنشاء مصارف كربونية مهمة". ومن الأجزاء المهمة الأخرى للاستراتيجية زيادة كفاءة استخدام الطاقة، بما في ذلك المباني الخالية من الانبعاثات، والانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة.
وفي هذا السياق، فإنه يُتاح لقطاع البناء والإنشاء فُرصًا كبيرة على كل من المدى الطويل والقصير للحد من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من خلال اختيار مواد وتصاميم ذات تأثير منخفض على البيئة والمناخ. وتعد زيادة استخدام المنتجات الخشبية في المباني ومشاريع البناء جزءًا من الحل حيث تزداد المساهمة في إنشاء مصارف/بالوعات الكربون المؤقتة. ويتم ذكر التأثير المناخي المنخفض الذي يحدث عند استخدام المنتجات الخشبية المعمرة في المجتمع، كما هو الحال في المباني، في تقارير المناخ الدولية تحت مصطلح منتجات الخشب المقطوع (Harvested Wood Products)، HWP.
تصنيع مواد البناء المختلفة
على مدى العقدين الماضيين، كان هناك تطور سريع لاستخدام الخشب في البناء في أوروبا. وهذا نتيجة لتوجيهات الاتحاد الأوروبي الخاصة بمنتجات البناء، والتي تم تنفيذها اعتبارًا من عام 1994 في تشريعات البناء في الدول الأعضاء. وقد تم استبدال هذه التشريعات لاحقًا بقانون منتجات البناء Construction Products Regulation، CPR ، والتي لها نفس الغرض مثل سابقتها.
وقد أتاح الانتقال إلى الأنظمة القائمة على الوظائف إقامة مبان أكبر حجمًا بنظم قائمة على الأخشاب. وكان الغرض منها تعزيز التطور التكنولوجي وزيادة فعالية تكاليف البناء من خلال السماح بحلول مختلفة لتحقيق وظيفة محددة. ومن بين جملة أمور، تم استبدال الحظر المفروض على المواد القابلة للاحتراق باللوائح القائمة على الوظائف. وهذا جعل من الممكن بناء مبان خشبية مرتفعة.
إن تصنيع المنتجات الخشبية يتطلب استخدام القليل جدًا من الطاقة الخارجية، بالإضافة إلى الطاقة من المخلفات الخاصة بها، مثل اللحاء والنشارة. ويرتبط استخدام الطاقة الرئيسي في قطاع مناشر الخشب بتجفيف الأخشاب. حيث يتم استخدام حوالي 80 في المائة من إجمالي الطاقة المستخدمة في هذه العملية. وحوالي 10-15 في المائة من استهلاك الطاقة تذهب لمعدات النشر، والباقي للإضاءة وتدفئة المباني. و80٪ من الطاقة المستخدمة في المجففات هي طاقة حرارية والباقي كهرباء لتشغيل المراوح. تنتج معظم معامل النشر الطاقة الحرارية في منطقة المنشرة، في المرجل أو الغلاية الخاصة بالمعمل، أو غلاية مملوكة لشركة للطاقة على سبيل المثال.
عند تصنيع مواد البناء الأخرى، فإن نقطة البداية تكون من مواد خام محدودة (مواد خام غير متجددة). ويتطلب كل من الاستخراج والتصنيع استخدام الطاقة، وغالبًا ما يكون ذلك بكميات كبيرة جدًا ويكون ذلك من الوقود الأحفوري. وفي صناعة الأسمنت والصلب، تحدث انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون. وعلاوة على ذلك، فإن إنتاج الأسمنت يطلق ثاني أكسيد الكربون المقيد في الحجر الجيري الذي يشكل المادة الخام. فكافة مواد البناء التي يتم إنتاجها من خلال اتباع تلك العمليات يكون لها بصمة كربون كبيرة على المناخ (أي أنها تزيد انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وزيادته في الهواء).
وتعتزم الحكومة إدخال متطلبات تُفرض على القائم على البناء لإعداد وتقديم بيان التأثير على المناخ/إعلان التأثير على المناخ بعد تشييد مبنى جديد اعتبارًا من 1 يناير 2022.
ويجب أن يستند بيان التأثير على المناخ/إعلان التأثير على المناخ إلى تحليل دورة الحياة (العمر الافتراضي)، LCA ، والمبادئ التوجيهية المنهجية التي تم تطويرها داخل اللجنة الأوروبية للتوحيد القياسي (European Committee for Standardization)، CEN ، على تفويض مرتبط بلائحة منتجات البناء، CPR. وبالنسبة لمنتجات البناء التي عليها علامة CE، قد يُطلب في المستقبل إدراج إعلان التأثير البيئي في إعلان الأداء الذي يشكل جزءًا من علامة CE، علامة منتجات السوق المحلية للاتحاد الأوروبي. وتتوافق منهجية تحليل دورة الحياة (تحليل العمر الافتراضي) المستخدمة في إعلانات التأثير البيئي لمنتجات البناء مع المنهجية المنطبقة على جميع أعمال البناء، ويمكن بالتالي استخدامها لإعداد إعلانات للتأثير البيئي أو التأثير المناخي للمنازل أو مشاريع البناء المختلفة.
وتوفر حسابات LCA التي تتبع التعليمات المنهجية لـ CEN مقياسًا لثاني أكسيد الكربون وانبعاثات الغازات الأخرى المسببة للاحتباس الحراري الصادرة عن عمليات الإنتاج أو الأنشطة تقوم بمساعدة المستخدم على اختيار البدائل ذات التأثيرات الأقل تأثيرًا على المناخ والبيئة. وتراعي حسابات الـ LCA أن تخزين الكربون في الأخشاب يعطي أرقامًا سلبية لإنتاج منتج قائم على الخشب. وهذا لأنه يتم تخزين ثاني أكسيد الكربون في الأشجار والانبعاثات المرتبطة بالحصاد والنقل والمعالجة هي انبعاثات قليلة بالمقارنة مع الكمية المخزنة لثاني أكسيد الكربون. ثم سيتم إطلاق نفس الكمية من الكربون المرتبط بيولوجيًا في المراحل النهائية من دورة الحياة. ونتيجة لذلك، فإن مجموع الانبعاثات وفقًا لمنهجية LCA التي تطبقها اللجنة تصبح دائمًا صفرًا عندما تؤخذ دورة الحياة بأكملها في الاعتبار، أي أنه لا يؤخذ في الاعتبار التأثير المناخي الإيجابي للكربون الموجود في الخشب المخزن في المباني لفترة طويلة من الزمن. ولتحقيق ذلك، يجب استكمال حسابات LCA بهذه المعلومات. وتتمثل إحدى طرق القيام بذلك في اتباع نفس المنهجية المستخدمة في إعداد تقارير المناخ الدولية.
فاسابلان، أوميو.
الخشب يحل محل مواد البناء الأخرى ويخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون
يمكن للخشب أن يحل محل مواد البناء الأخرى في العديد من المباني والإنشاءات، وهو يقوم بالوظائف نفسها. فالخشب بكونه مادة بديلة يمكن أن يعني انخفاض كبير في انبعاثات ثاني أكسيد الكربون وهو ما يعني بالضرورة فوائد مناخية كبيرة، وذلك عندما يقوم بحل محل المواد التي تتطلب حرق الوقود الأحفوري خلال عمليها تصنيعها وهو الأمر الذي يسبب انبعاثات كبيرة لثاني أكسيد الكربون. وقد أظهرت إحدى الدراسات أنه في حال حلت المنتجات الخشبية محل مواد البناء الأخرى في المباني فإن هناك متوسط معامل استبدال نحو 2,0 طن من ثاني أكسيد الكربون لكل متر مكعب من الخشب، ويصل هذا الرقم إلى حوالي 20 طن من ثاني أكسيد الكربون للشقة التي يتم إنتاجها صناعيًا بتكنولوجيا البناء البسيط ذات الإطارات الخشبية. وقد أصبحت مرحلة الإنتاج وبالتالي اختيار المواد ذات أهمية متزايدة ومن ثم فإن الاستبدال أمر مهم.
دورة حياة صديقة للبيئة للمنتجات الخشبية
بالنسبة للخشب، هناك ثلاث دورات - واحدة حيث يتم إعادة تدوير المنتج أو المكون، ودورة يتم فيها إعادة تدوير الحرارة أو الطاقة من المنتج، والدورة الثالثة التي تقوم بتعميم مكونات المواد الخشبية عبر دورة الحياة الطبيعية.
الشكل 12 دورة حياة المنتجات الخشبية
تتألف الدورة البيئية للخشب من قسمين. أحدهما تتعلق بالغابة، والآخر يتعلق بالمنتجات. تحصل الغابات على حيويتها من الشمس. ومن خلال عملية التمثيل الضوئي، يتم امتصاص الطاقة الشمسية وتتفاعل مع ثاني أكسيد الكربون (CO2) لإنتاج المواد المغذية لنمو الأشجار. تحتوي منتجات الغابة على الكربون، الذي تمتصه الأشجار في شكل ثاني أكسيد الكربون. وتتضمن الدورة البيئية للمنتجات إعادة الاستخدام والإصلاح وإعادة التدوير. وعند انتهاء العمر الافتراضي لتلك المنتجات فإنه يتم تحرير ثاني أكسيد الكربون في الهواء، وذلك عندما تتحلل تلك النفايات أو عندما يتم إعادة تدويرها كطاقة حيوية. وبعد ذلك يتم التقاط غاز ثاني أكسيد الكربون مرة أخرى بواسطة الأشجار وتقوم بامتصاصه وتحويله إلى مواد غذائية ولبنات بناء جديدة لنموها.
فالدورات القصيرة يمكننا أن نراها في كل من قطاع البناء والإنشاء والنقل والتعبئة. ويمكن إعادة استخدام كل من النوافذ والأبواب والأخشاب، كما هو الحال في منصات التحميل والعلب وبكرات الكابلات. وفي جميع الحالات توجد هيئة للتعامل مع المنتجات وللعثور على مستخدمين جدد.
الشكل 13 التسلسل الهرمي البيئي.
عندما يتعذر إعادة استخدام المنتج الخشبي أو إعادة تدويره، على سبيل المثال كمواد ألواح أساسها الخشب، فإنه لا يزال يشكل مصدر طاقة قيمًا وصديقًا للمناخ. وهذه الطاقة تُعتبر طاقة محايدة فيما يتعلق بالكربون، حيث أنها في واقع الأمر طاقة شمسية مُخزنة.
ولتحقيق الاستفادة المثلى من الخشب مع أخذ المناخ في الاعتبار، فينبغي القيام بذلك بترتيب معين وهو ما يتضح من خلال التسلسل الهرمي البيئي للخشب، انظر الشكل 13. وعند الاختيار بين خيارات استخدام مختلفة فينبغي أن يتم دائمًا اختيار البديل الذي يوفر أطول فترة من الاستخدام، أي البديل الذي يقع أعلى التسلسل الهرمي البيئي. ولذلك فإن استخدام أخشاب الغابات المقطوعة مباشرة لإنتاج الطاقة ليس الأمر الأمثل إذا كانت هناك بدائل أخرى ممكنة. وينبغي فقط استخدام المنتجات الثانوية التي لا يمكن تحويلها إلى منتجات كوقود لتحل محل الطاقة الناتجة من الوقود الأحفوري غير المتجدد. ومن المهم أن نلاحظ أن الخشب لا يحتاج إلى أن يتم إرساله إلى مكب النفايات/مدفن القمامة.